سورة الشورى - تفسير تفسير أبي حيان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشورى)


        


لما ذكر تعالى من دلائل وحدانيته أنواعاً، ذكر بعدها العالم الأكبر، وهو السموات والأرض؛ ثم العالم الأصغر، وهو الحيوان. ثم اتبعه بذكر المعاد، أتبعه بذكر السفن الجارية في البحر، لما فيها من عظيم دلائل القدرة، من جهة أن الماء جسم لطيف شفاف يغوص فيه الثقيل، والسفن تشخص بالأجسام الثقيلة الكثيفة، ومع ذلك جعل تعالى للماء قوة يحملها بها ويمنع من الغوص. ثم جعل الرياح سبباً لسيرها. فإذا أراد أن ترسو، أسكن الريح، فلا تبرح عن مكانها. والجواري: جمع جارية، وأصله السفن الجواري، حذف الموصوف وقامت صفته مقامه، وحسن ذلك قوله: {في البحر}، فدل ذلك على أنها صفة للسفن، وإلا فهي صفة غير مختصة، فكان القياس أن لا يحذف الموصوف ويقوم مقامه. ويمكن أن يقال: إنها صفة غالبة، كالأبطح، فجاز أن تلي العوامل بغير ذكر الموصوف. وقرئ: الجواري بالياء ودونها، وسمع من العرب الأعراب في الراء، وفي البحر متعلق بالجواري، وكالأعلام في موضع الحال، والأعلام: الجبال، ومنه قول الخنساء أخت صخر ومعاوية:
وإن صخراً التأتم الهداة به *** كأنه علم في رأسه نار
ومنه:
إذا قطعن علماً بدا علم ***
وقرأ جمهور السبعة: {الريح} إفراداً، ونافع: جمعاً، وقرأ الجمهور: {فيظللن} بفتح اللام، وقرأ قتادة: بكسرها، والقياس الفتح، لأن الماضي بكسر العين، فالكسر في المضارع شاذ. وقال الزمخشري: من ظل يظل ويظل، نحو ضل يضل ويضل. انتهى. وليس كما ذكر، لأن يضل بفتح العين من ضللت بكسرها في الماضي، ويضل بكسرها من ضللت بفتحها في الماضي، وكلاهما مقيس. {لكل صبار} على بلائه، {شكور} لنعمائه. {أو يوبقهن}: يهلكهن، أي الجواري، وهو عطف على يسكن، والضمير في {كسبوا} عائد على ركاب السفن، أي بذنوبهم. وقرأ الأعمش: ويعفو بالواو، وعن أهل المدينة: بنصب الواو، والجمهور: ويعف مجزوماً عطفاً على يوبقهن. فأما قراءة الأعمش، فإنه أخبر تعالى أنه يعفو عن كثير، أي لا يؤاخذ بجميع ما اكتسب الإنسان. وأما النصب، فبإضمار أن بعد الواو، وكالنصب بعد الفاء في قراءة من قرأ: يحاسبكم به الله فيغفر، وبعد الواو في قول الشاعر:
فإن يهلك أبو قابوس يهلك *** ربيع الناس والشهر الحرام
ونأخذ بعده بذناب عيش *** أجب الظهر ليس له سنام
روي بنصب ونأخذ ورفعه وجزمه. وفي هذه القراءة يكون العطف على مصدر متوهم، أي يقع إيباق وعفو عن كثير. وأما الجزم فإنه داخل في حكم جواب الشرط، إذ هو معطوف عليه، وهو راجع في المعنى إلى قراءة النصب، لكن هذا عطف فعل على فعل، وفي النصب عطف مصدر مقدر على مصدر متوهم. وقال القشيري: وقرئ: {ويعف} بالجزم، وفيها إشكال، لأن المعنى: إن يشأ يسكن الريح، فتبقى تلك السفن رواكد، أو يهلكها بذنوب أهلها، فلا يحسن عطف ويعف على هذه، لأن المعنى: يصيران شيئاً يعف، وليس المعنى ذلك، بل المعنى: الإخبار عن الغيوب عن شرط المشيئة، فهو إذن عطف على المجزوم من حيث اللفظ، لا من حيث المعنى.
وقد قرأ قوم: ويعفو بالرفع، وهي جيدة في المعنى. انتهى، وما قاله ليس بجيد، إذ لم يفهم مدلول التركيب. والمعنى: أنه تعالى إن يشأ أهلك ناساً وأنجى ناساً على طريق العفو عنهم. وقال الزمخشري: فإن قلت: على م عطف يوبقهن؟ قلت: على يسكن، لأن المعنى: إن يشأ يسكن الريح فيركدن، أو يعصفها فيغرقن بعصفها. انتهى. ولا يتعين أن يكون التقدير: أو يعصفها فيغرقن، لأن إهلاك السفن لا يتعين أن يكون بعصف الريح، بل قد يهلكها تعالى بسبب غير الريح، كنزول سطحها بكثرة الثقل، أو انكسار اللوح يكون سبباً لإهلاكها، أو يعرض عدو يهلك أهلها. وقرأ الأعرج، وأبو جعفر، وشيبة، ونافع، وابن عامر، وزيد بن علي: {ويعلم} بالرفع على القطع. وقرأ الجمهور: ويعلم بالنصب؛ قال أبو علي وحسن: النصب إذا كان قبله شرط وجزاء، وكل واحد منهما غير واجب. وقال الزجاج: على إضمار أن، لأن قبلها جزاء. تقول: ما تصنع أصنع مثله، وأكرمك، وإن أشئت، وأكرمك علي، وأنا أكرمك، وإن شئت، وأكرمك جزماً. قال الزمخشري: فيه نظر، لما أورده سيبويه في كتابه قال: واعلم أن النصب بالفاء والواو في قوله: إن تأتني آتك وأعطيك ضعيف، وهو نحو من قوله:
وألحق بالحجاز فاستريحا ***
فهذا لا يجوز، وليس بحد الكلام ولا وجهه، إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلاً، لأنه ليس بواجب أنه يفعل إلا أن يكون من الأول فعل. فلما ضارع الذي لا يوجبه، كالاستفهام ونحوه، أجازوا فيه هذا على ضعفه. قال الزمخشري: ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحد الكلام ولا وجهه، ولو كانت من هذا الباب، لما أخلى سيبويه منها كتابه، وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة. انتهى. وخرج الزمخشري النصب على أنه معطوف على تعليل محذوف، قال تقديره: لينتقم منهم {ويعلم الذين يجادلون}، يكره في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن، ومنه قوله تعالى: {ولنجعلك آية للناس} وقوله: {خلق الله السموات والأرض بالحق} {ولتجزى كل نفس بما كسبت} انتهى. ويبعد تقديره لينتقم منها، لأنه ترتب على الشرط إهلاك قوم، فلا يحسن لينتقم منهم. وأما الآيتان فيمكن أن تكون اللام متعلقة بفعل محذوف، أي {ولنجعله آية للناس}، {ولتجزى كل نفس بما كسبت}. فعلنا ذلك، وكثيراً ما يقدر هذا الفعل محذوفاً قبل لام العلة، إذا لم يكن فعل ظاهر يتعلق به.
وذكر الزمخشري أن قوله تعالى: {ويعلم} قرئ بالجزم، فإن قلت: فكيف يصح المعنى على جزم ويعلم؟ قلت: كأنه قال: أو إن يشأ يجمع بين ثلاثة أمور: هلاك قوم، ونجاة قوم، وتحذير آخرين، لأن قوله: {ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص} يتضمن تحذيرهم من عقاب الله، {وما لهم من محيص} في موضع نصب، لأن يعلم معلقة، كقولك: علمت ما زيد قائم.
وقال ابن عطية في قراءة النصب، وهذه الواو ونحوها التي تسميها الكوفيون واو الصرف، لأن حقيقة واو الصرف التي يريدونها عطف فعل على اسم مقدر، فيقدر أن ليكون مع الفعل بتأويل المصدر، فيحسن عطفه على الاسم. انتهى. وليس قوله تعليلاً لقولهم واو الصرف، إنما هو تقرير لمذهب البصريين. وأما الكوفيون فإن واو الصرف ناصبة بنفسها، لا بإضمار أن بعدها. وقال أبو عبيد على الصرف كالذي في آل عمران: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} ومعنى الصرف أنه كان على جهة، فصرف إلى غيرها، فتغير الإعراب لأجل الصرف. والعطف لا يعين الاقتران في الوجود، كالعطف في الأسم، نحو: جاء زيد وعمرو. ولو نصب وعمرو اقتضى الاقتران؛ وكذلك واو الصرف، ليفيد معنى الاقتران ويعين معنى الاجتماع، ولذلك أجمع على النصب في قوله: {ويعلم الصابرين}، أي ويعلم المجاهدين والصابرين معاً.
عن عليّ، رضي الله عنه، اجتمع لأبي بكر رضي الله عنه مال، فتصدق به كله في سبيل الله والخير، فلامه المسلمون وخطأه الكافرون، فنزلت: {فما أوتيتم من شيء}، والظاهر أنه خطاب للناس. وقيل: للمشركين، وما شرطية مفعول ثان لأوتيتم، ومن شيء بيان لما، والمعنى: من شيء من رياش الدنيا ومالها والسعة فيها، والفاء جواب الشرط، أي فهو متاع، أي يستمتع في الحياة. {وما عند الله}: أي من ثوابه وما أعد لأوليائه، {خير وأبقى} مما أوتيتم، لأنه لا انقطاع له. وتقدم الكلام في الكبائر في قوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} في النساء. وقرأ الجمهور: {كبائر} جمعاً هنا، وفي النجم، وحمزة، والكسائي: بالإفراد.
{والذين يجتنبون}: عطف على {الذين آمنوا}، وكذلك ما بعده. ووقع لأبي البقاء وهم في التلاوة، اعتقد أنها الذين يجتنبون بغير واو، فبنى عليه الإعراب فقال: الذين يجتنبون في موضع جر بدلاً من الذين آمنوا، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار، أعني: وفي موضع رفع على تقديرهم. انتهى. والعامل في إذا يغفرون، وهي جملة من مبتدأ وخبر معطوف على يجتنبون، ويجوز أن يكون هم توكيداً للفاعل في غضبوا. وقال أبو البقاء: هم مبتدأ، ويغفرون الخبر، والجملة جواب إذا. انتهى، وهذا لا يجوز، لأن الجملة لو كانت جواب إذا لكانت بالفاء، تقول: إذا جاء زيد فعمرو منطلق، ولا يجوز حذف الفاء إلا إن ورد في شعر. وقيل: هم مرفوع بفعل محذوف يفسره يغفرون، ولما حذف، انفصل الضمير، وهذا القول فيه نظر، وهو أن جواب إذا يفسر كما يفسر فعل الشرط بعدها، نحو: {إذا السماء انشقت} ولا يبعد جواز ذلك على مذهب سيبويه، إذ جاء ذلك في أداة الشرط الجازمة، نحو: إن ينطلق زيد ينطلق، فزيد عنده فاعل بفعل محذوف يفسره الجواب، أي ينطلق زيد، منع ذلك الكسائي والفراء. وقال الزمخشري: هم يغفرون، أي هم الأخصاء بالغفران، في حال الغضب لا يغول الغضب أحلامهم، كما يغول حلوم الناس. والمجيء لهم وإيقاعه مبتدأ، وإسناد يغفرون إليه لهذه الفائدة. انتهى، وفيه حض على كسر الغضب. وفي الحديث: «أوصني، قال: لا تغضب، قال: زدني، قال: لا تغضب، قال: زدني، قال: لا تغضب».
{والذين استجابوا لربهم}، قيل: نزلت في الأنصار، دعاهم الله للإيمان به وطاعته فاستجابوا له. وكانوا قبل الإسلام، وقبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، إذا نابهم أمر تشاوروا، فأثنى الله عليهم، لا ينفردون بأمر حتى يجتمعوا عليه. وعن الحسن: ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم. انتهى. وفي الشورى اجتماع الكلمة والتحاب والتعاضد على الخير. وقد شاور الرسول عليه السلام فيما يتعلق بمصالح الحروب والصحابة بعده في ذلك، كمشاورة عمر للهرمز. وفي الأحكام، كقتال أهل الردّة، وميراث الحربي، وعدد مدمني الخمر، وغير ذلك. والشورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور، على حذف مضاف، أي وأمرهم ذو شورى بينهم. و{هم ينتصرون}: صلة للذين، وإذا معمولة لينتصرون، ولا يجوز أن يكون {هم ينتصرون} جواباً لإذا، والجملة الشرطية وجوابها صلة لما ذكرناه من لزوم الفاء، ويجوز هنا أن يكون هم فاعلاً بفعل محذوف على ذلك القول الذي قيل في {هم يغفرون}. وقال الحوفي: وإن شئت جعلت هم توكيداً للهاء والميم، يعني في أصابهم، وهو ضمير رفع، وفي هذا نظر، وفيه الفصل بين المؤكد والتوكيد بالفاعل، وهو فعل الظاهر أنه لا يمتنع، والانتصار: أن يقتصر على ما حده الله له ولا يتعدى. وقال النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم، فتجترئ عليهم الفساق، ومن انتصر غير متعد فهو مطيع محمود. وقال مقاتل، وهشام عن عروة: الآية في المجروح ينتصف من الجارح بالقصاص. وقال ابن عباس: تعدى المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه، وأخرجوهم من مكة، فأذن الله لهم بالخروج في الأرض، ونصرهم على من بغى عليهم. وقال الكيا الطبري: ظاهره أن الانتصار في هذا الموضع أفضل، ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الاستجابة لله ولرسوله وإقامة الصلاة؟ فهذا على ما ذكره النخعي، وهذا فيمن تعدى وأصر، والمأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادماً مقلعاً. وقد قال عقيب هذه الآية {ولمن انتصر بعد ظلمه} الآية، فيقتضي إباحة الانتصار. وقد عقبه بقوله: {ولمن صبر وغفر}، وهذا محمول على القرآن عند غير المصر. فأما المصر على البغي، فالأفضل الانتصار منه بدليل الآية قبلها.
وقال ابن بحر: المعنى تناصروا عليه فأزالوه عنهم. وقال أبو بكر بن العربي نحواً من قول الكيا. قال الجمهور: إذا بغى مؤمن على مؤمن، فلا يجوز له أن ينتصر منه بنفسه، بل يرفع ذلك إلى الإمام أو نائبه. وقالت فرقة: له ذلك.
{وجزاء سيئة سيئة مثلها}: هذا بيان للانتصار، أي لا يتعدى فيما يجازي به من بغى عليه. قال ابن أبي نجيح، والسدي: إذا شتم، فله أن يرد مثل ما شتم به دون أن يتعدى، وسمى القصاص سيئة على سبيل المقابلة، أو لأنها تسوء من اقتص منه، كما ساءت الحيض. وظاهر قوله: مثلها المماثلة مطلقاً في كل الأحوال، لا فيما خصه الدليل. والفقهاء أدخلوا التخصيص في صور كثيرة بناء على القياس. قال مجاهد، والسدي: إذا قال له أخزاك الله فليقل أخزاك الله، وإذا قذفه قذفاً يوجب الحد، بل الحد الذي أمره الله به. {فمن عفا وأصلح}: أي بينه وبين خصمه بالعفو، {فأجره على الله}: عدة مبهمة لا يقاس عظمها، إذ هي على الله. {إنه لا يحب الظالمين}: أي الخائنين، وإذا كان لا يحبه وقد ندب إلى العفو عنه، فالعفو الذي يحبه الله أولى أن يعفي عنه، أو لا يحب الظالمين من تجاوز واعتدى من المجني عليهم، إذا انتصروا خصوصاً في حالة الحرب والتهاب الحمية، فربما يظلم وهو لا يشعر. وفي الحديث: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان له أجر على الله فليقم، قال: فيقوم خلق، فيقال لهم: ما أجركم على الله؟ فيقولون: نحن عفونا عمن ظلمنا، فيقال لهم: ادخلوا الجنة بإذن الله» واللام في {ولمن انتصر} لام توكيد. قال الحوفي: وفيها معنى القسم. وقال ابن عطية: لام التقاء القسم يعنيان أنها اللام التي يتلقى بها القسم، فالقسم قبلها محذوف، ومن شرطية، وحمل {انتصر بعد ظلمه} على لفظ من، وفأولئك على معنى من، والفاء جواب الشرط، وظلمه مصدر مضاف إلى المفعول. قال الزمخشري: ويفسره قراءة من قرأ: بعد ما ظلم ما عليهم من سبيل، قيل: أي من طريق إلى الحرج؛ وقيل: من سبيل للمعاقب، ولا المعاتب والعاتب، وهذه مبالغة في إباحة الانتصار. {إنما السبيل}: أي سبيل الإثم والحرج، {على الذين يظلمون}: أي يبتذلون بالظلم، {ويبغون في الأرض}: أي يتكبرون فيها ويعلون ويفسدون. وقيل: ويظلمون الناس: أي يضعون الأشياء غير مواضعها من القتل وأخذ المال والأذى باليد واللسان. والبغي بغير الحق، فهو نوع من أنواع الظلم، خصه بالذكر تنبيهاً على شدته وسوء حال صاحبه. انتهى. {ولمن صبر}: أي على الظلم والأذى، {وغفر}، ولم ينتصر. واللام في ولمن يجوز أن تكون اللام الموطئة القسم المحذوف، ومن شرطية، وجواب القسم قوله: {إن ذلك}، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه.
ويجوز أن تكون اللام لام الابتداء، ومن موصولة مبتدأ، والجملة المؤكدة بأن في موضع الخبر. وقال الحوفي: من رفع بالابتداء وأضمر الخبر، وجواب الشرط إن وما تعلقت به على حذف الفاء، كما قال الشاعر:
من يفعل الحسنات الله يشكرها ***
أي: فالله يشكرها. انتهى، وهذا ليس بجيد، لأن حذف الفاء مخصوص بالشعر عند سيبويه. والإشارة بذلك إلى ما يفهم من مصدر صبر وغفر والعائد على الموصول المبتدأ من الخبر محذوف، أي إن ذلك منه لدلالة المعنى عليه: {لمن عزم الأمور}، إن كان ذلك إشارة إلى المصدر المفهوم من قوله: {ولمن صبر وغفر}، لم يكن في عزم الأمور حذف، وإن كان ذلك إشارة إلى المبتدأ، كان هو الرابط، ولا يحتاج إلى تقدير منه، وكان في {عزم الامور}، أي أنه لمن ذوي عزم الأمور. وسب رجل آخر في مجلس الحسن، فكان المسبوب يكظم ويعرق ويمسح العرق، ثم قام فتلا الآية، فقال الحسن: عقلها والله وفهمها، لم هذه ضيعها الجاهلون. والجملة من قوله: {إنما السبيل} اعتراض بين قوله: {ولمن انتصر}، وقوله: {ولمن صبر}. {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده}: أي من ناصر يتولاه من بعده، أي من بعد إضلاله، وهذا تحقير لأمر الكفرة. {وترى الظالمين}: الخطاب للرسول، والمعنى: وترى حالهم وما هم فيه من الحيرة، {لما رأوا العذاب}، يقولون: {هل إلى مردّ من سبيل}: هل سبيل إلى الردّ للدنيا؟ وذلك من فظيع ما اطلعوا عليه، وسوء ما يحل بهم. {وتراهم يعرضون عليها}: أي على النار، دل عليها ذكر العذاب، {خاشعين} متضائلين صاغرين مما يحلقهم، {من الذل} وقرأ طلحة: من الذل، بكسر الذال؛ والجمهور بالضم، والخشوع: الاستكانة، وهو محمود. وإنما أخرجه إلى الذم اقترافه بالعذاب وقيل: {من الذل} متعلق {ينظرون من طرف خفي}. قال ابن عباس: ذليل. انتهى. قيل: ووصف بالخفاء لأن نظرهم ضعيف ولحظهم نهاية، قال الشاعر:
فغض الطرف إنك من نمير ***
وقيل: يحشرون عمياً. ولما كان نظرهم بعيون قلوبهم، جعله طرفاً خفياً، أي لا يبدو نظرهم، وهذا التأويل فيه تكلف. وقال السدي، وقتادة: المعنى يسارقون النظر لما كانوا فيه من الهمّ وسوء الحال، لا يستطيعون النظر بجميع العين، وإنما ينظرون من بعضها، فيجوز على هذا التأويل أن يكون الطرف مصدراً، أي من نظر خفي. وقال الزمخشري: {من طرف خفي}، أي يبتدئ نظرهم من تحريك لأجفانهم ضعيف خفي بمسارقة، كما ترى المصور ينظر إلى السيف، وهكذا نظر الناظر إلى المكاره، ولا يقدر أن يفتح أجفانه عليها ويملأ عينه منها، كما يفعل في نظره إلى المتحاب الظاهر أن {وقال} ماض لفظاً ومعنى، أي {وقال الذين آمنوا} في الحياة الدنيا، ويكون يوم القيامة معمولاً لخسروا، ويحتمل أن يكون معنى {وقال}: ويقول، ويوم القيامة معمول لو يقولوا، أي ويقولوا في ذلك اليوم لما عاينوا ما حل بالكفار وأهليهم. الظاهر أنهم الذين كانوا أهليهم في الدنيا، فإن كانوا معهم في النار فقد خسروهم، أي لا ينتفعون بهم؛ وإن كانوا في الجنة لكونهم كانوا في الجنة لكونهم كانوا مؤمنين، كآسية امرأة فرعون، فهم لا ينتفعون بهم أيضاً. وقيل: أهلوهم ما كان أعد لهم من الحور لو كانوا آمنوا، والظاهر أن قوله: {ألا إن الظالمين في عذاب مقيم} من كلام المؤمنين؛ وقيل: استئناف إخبار من الله تعالى.


{من قبل أن يأتي يوم}، قيل: هو يوم ورود الموت، والظاهر أنه يوم القيامة. و{من الله} متعلق بمحذوف يدل عليه ما مر، أي لا يرد ذلك اليوم من ما حكم الله به فيه. وقال الزمخشري: {من الله}: من صلة للأمرد. انتهى، وليس الجيد، إذ لو كان من صلته لكان معمولاً له، فكان يكون معرباً منوناً. وقيل: {من الله} يتعلق بقوله: {يأتي}، من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على رده. {ما لكم من ملجأ} تلجأون إليه، فتتخلصون من العذاب، ومالكم من إنكار شيء من أعمالكم التي توردكم النار، والنكير مصدر أنكر على غير قياس. قيل: ويحتمل أن يكون اسم فاعل للمبالغة، وفيه بعد، لأن نكر معناه لم يميز. {فإن أعرضوا} الآية: تسلية للرسول وتأنيس له، وإزالة لهمه بهم. والإنسان: يراد به الجنس، ولذلك جاء: {وإن تصبهم سيئة}. وجاء جواب الشرط {فإن الإنسان} ولم يأت فإنه، ولا فإنهم، ليدل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعم، كما قال: {إن الإنسان لظلوم كفار} {إن الإنسان لربه لكنود} ولما ذكر أنه يكفر النعم، أتبع ذلك بأن له ملك العالم العلوي والسفلي، وأنه يفعل ما يريد، ونبه على عظيم قدرته، وأن الكائنات ناشئة عن إرادته، فذكر أنه يهب لبعض إناثاً، ولبعض ذكوراً، ولبعض الصنفين، ويعقم بعضاً فلا يولد له. وقال إسحق بن بشر: نزلت هذه الآية في الأنبياء، ثم عمت. فلوط أبو بنات لم يولد له ذكور، وإبراهيم ضده، ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليهما ولد له الصنفان، ويحي عقيم. انتهى. وذكر أيضاً مع لوط شعيب، ومع يحي عيسى، وقدم تعالى هبة البنات تأنيساً لهن وتشريفاً لهن، ليهتم بصونهن والإحسان إليهن. وفي الحديث: «من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن كن له ستراً من النار» وقال واثلة بن الأسقع: من يمن المرأة تبكيرها بالأنثى قبل الذكر، لأن الله تعالى بدأ بالإناث. وقال الزمخشري: فإن قلت: لم قدم الإناث على الذكور مع تقدمهم عليهن، ثم رجع فقدمهم؟ ولم عرف الذكور بعد ما نكر الإناث؟ قلت: لأنه ذكر البلاء في آخر الآية الأولى. وكفران الإنسان: نسيانه الرحمة السابقة عنده.
ثم ذكره بذكر ملكه ومشيئته، وذكر قسمة الأولاد، فقدم الإناث، لأن سياق الكلام أنه فاعل ما يشاؤه، لا ما يشاء الإنسان، فكان ذكر الإناث اللائي من جملة ما لا يشاؤه الإنسان أهم، والأهم أوجب التقديم. والبلاء: الجنس الذي كانت العرب تعده بلاء، ذكر البلاء وآخر الذكور. فلما أخرهم لذلك تدارك تأخيره، وهم أحق بالتقديم بتعريفهم، لأن التعريف تنويه وتشهير، كأنه قال: ويهب لمن يشاء الفريقين، الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم.
ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حظه من التقديم والتأخير، وعرفان تقديمهن لم يكن لتقدمهن، ولكن لمقتضى آخر فقال: {ذكراناً وإناثاً}، كما قال: {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} {فجعل منه الزوجين والذكر والأنثى} انتهى. وقيل: بدأ بالأنثى ثم ثنى بالذكر، لتنقله من الغم إلى الفرح. وقيل: ليعلم أنه لا اعتراض على الله فيرضى. فإذا وهب له الذكر، علم أنه زيادة وفضل من الله وإحسان إليه. وقيل: قدمها تنبيهاً على أنه إذا كان العجز والحاجة لهم، كانت عناية الله أكثر. وقال مجاهد: هو أن تلد المرأة غلاماً، ثم تلد جارية. وقال محمد بن الحنيفة: أن تلد توأماً، غلاماً وجارية. وقال أبو بكر بن العربي: أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً. قال علماؤنا: يعني آدم، كانت حواء تلد له في كل بطن توأمين، ذكراً وأنثى؛ تزوج ذكر هذا البطن أنثى البطن الآخر. انتهى.
ولما ذكر الهبة في الإناث، والهبة في الذكور، اكتفى عن ذكرها في قوله: {أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً}. ولما كان العقم ليس بمحمود قال: {ويجعل من يشاء عقيماً}، وهو قسيم لمن يولد له. ولما كانت الخنثى مما يحزن بوجوده، لم يذكره تعالى. قالوا: وكانت الخلقة مستمرة، ذكراً وأنثى، إلى أن وقع في الجاهلية الأولى الخنثى، فسئل فارض العرب ومعمرها عامر بن الظرب عن ميراثه، فلم يدر ما يقوله وأرجأهم. فلما جن عليه الليل، جعل يتقلب وتذهب به الأفكار، وأنكرت خادمه حاله فسألته، فقال: بهرت لأمر لا أدري ما أقول فيه، فقالت له: ما هو؟ فقال: شخص له ذكر وفرج، كيف يكون حاله في الميراث؟ قالت له الأمة: ورثه من حيث يبول، فعقلها وأصبح فعرضها عليهم، فرضوا بها. وجاء الإسلام على ذلك، وقضى بذلك علي، كرم الله وجهه، إنه عليم بمصالح العباد، قدير على تكوين ما يشاء.
كان من الكفار خوض في معنى تكليم الله موسى، فذهبت قريش واليهود في ذلك إلى التجسيم، فنزلت. وقيل: كانت قريش تقول: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبياً صادقاً، كما كلمه موسى ونظر إليه؟ فقال لهم الرسول عليه السلام: «لم ينظر موسى إلى الله»، فنزلت: {وما كان لبشر أن يكلمه الله}، بياناً لصورة تكليم الله عباده أي ما ينبغي ولا يمكن لبشر إلا يوحى إليه أحد وجوه الوحي من الإلهام. قال مجاهد: أو النفث في القلب. وقال النقاش: أو وحي في المنام. وقال النخعي: كان في الأنبياء من يخط له في الأرض، أو بأن يسمعه كلامه دون أن يعرف هو للمتكلم جهة ولا حيزاً، كموسى عليه السلام، وهذا معنى {من وراء حجاب}: أي من خفاء عن المتكلم، لا يحده ولا يتصور بذهنه عليه، وليس كالحجاب في المشاهد، أو بأن يرسل إليه ملكاً يشافهه بوحى الله تعالى، قاله ابن عطية.
وقال الزمخشري: وما صح لأحد من البشر أن يكلمه الله إلا على ثلاثة أوجه:
إما على طريق الوحي، وهو الإلهام والقذف في القلب والمنام، كما أوحى إلى أم موسى وإلى إبراهيم عليه السلام في ذبح ولده. وعن مجاهد: أوحى الله الزبور إلى داود عليه السلام في صدره، قال عبيد بن الأبرص:
وأوحى إلى الله أن قد تأمروا *** بابن أبي أوفى فقمت على رجل
أي: ألهمنى وقذف في قلبي.
وإما على أن يسمعه كلامه الذي يخلقه في بعض الأجرام من غير أن يبصر السامع من يكلمه، لأنه في ذاته غير مرئي. وقوله: {من وراء حجاب} مثل، أي: كما يكلم الملك المحتجب بعض خواصه، وهو من وراء حجاب، فيسمع صوته ولا يرى شخصه، وذلك كما كلم الله موسى ويكلم الملائكة.
وإما على أن يرسل إليه رسولاً من الملائكة فيوحي الملك إليه، كما كلم الأنبياء غير موسى. انتهى، وهو على طريق المعتزلة في استحالة رؤية الله تعالى ونفي الكلام الحقيقي عن الله.
وكل هذه الأقسام الثلاثة يصدق عليها أنها وحي، وخص الأول باسم الوحي هنا، لأن ما يقع في القلب على سبيل الإلهام يقع دفعة واحدة، فكان تخصيص لفظ الوحي به أولى. وقيل: {وحياً} كما أوحى إلى الرسل بواسطة الملائكة، أو {يرسل رسولاً}: أي نبياً، كما كلم أمم الأنبياء على ألسنتهم، حكاه الزمخشري، وترك تفسير {أو من وراء حجاب}، ومعناه في هذا القول: كما كلم محمداً وموسى صلى الله عليه وسلم. وقرأ الجمهور: {حجاب}، مفرداً؛ وابن أبي عبلة: حجب جمعاً. وقرأ الجمهور: بنصب الفعلين عطف، أو يرسل على المضمر الذي يتعلق به من وراء حجاب تقديره: أو يكلمه من وراء حجاب، وهذا المضمر معطوف على وحياً، والمعنى: إلا بوحي أو سماع من وراء حجاب، أو إرسال رسول فيوحي ذلك الرسول إلى النبي الذي أرسل عنه بإذن الله ما يشاء، ولا يجوز أن يعطف {أو يرسل} على {أن يكلمه الله} لفساد المعنى. وقال الزمخشري: ووحياً، وأن يرسل، مصدران واقعان موقع الحال، لأن أن يرسل في معنى إرسالاً، ومن وراء حجاب ظرف واقع موقع الحال أيضاً، كقوله: {وعلى جنوبهم} والتقدير: وما صح أن يكلم أحداً إلا موحياً أو مسمعاً من وراء حجاب، أو مرسلاً. انتهى. أما وقوع المصدر موقع الحال، فلا ينقاس، وإنما قالته العرب. وكذلك لا يجوز: جاء زيد بكاء، تريد باكياً، وقاس منه المبرد ما كان منه نوعاً للفعل، نحو: جاء زيد مشياً أو سرعة، ومنع سيبويه أن يقع أن والفعل المقدر بالمصدر موقع الحال، فلا يجوز، نحو: جاء زيد أن يضحك في معنى ضحك الواقع موقع ضاحكاً، فجعله وحياً مصدراً في موضع الحال مما لا ينقاس، وأن يرسل في معنى إرسالاً الواقع موقع مرسلاً ممنوع بنص سيبويه.
وقرأ نافع وأهل المدينة: أو يرسل رسولاً فيوحي بالرفع فيهما، فخرج على إضمار هو يرسل، أو على ما يتعلق به من وراء، إذ تقديره: أو يسمع من وراء حجاب، ووحياً مصدر في موضع الحال، عطف عليه ذلك المقدر المعطوف عليه، أو يرسل والتقدير: إلا موحياً أو مسمعاً من وراء حجاب، أو مرسلاً، وإسناد التكلم إلى الله بكونه أرسل رسولاً مجاز، كما تقول: نادى الملك في الناس بكذا، وإنما نادى الريح، الدائر في الأسواق، نزل ما كان بواسطة منزلة ما كان بغير واسطة. قال ابن عطية: وفي هذه الآية دليل على أن الرسالة من أنواع التكلم، وأن الحالف الرسل، كانت إذا حلف أن لا يكلم إنساناً فأرسل إليه، وهو لم ينو المشافهة وقت يمينه. انتهى. {إنه عليٌّ}: أي عليٌّ عن صفات المخلوقين، {حكيم}: تجري أفعاله على ما تقتضيه الحكمة، يكلم بواسطة وبغير واسطة.
{وكذلك أوحينا}: أي مثل ذلك الإيحاء الفصل أوحينا إليك، إذ كان عليه الصلاة والسلام اجتمعت له الطرق الثلاث: النفث في الروع، والمنام، وتكليم الله له حقيقة ليلة الإسراء، وإرسال رسول إليه، وهو جبريل. وقيل: كما أوحينا إلى الأنبياء قبلك، {أوحينا إليك روحاً من أمرنا}. قال ابن عباس: النبوة. وقال السدي: الوحي؛ وقال قتادة: رحمة؛ وقال الكلبي: كتاباً؛ وقال الربيع: جبريل؛ وقيل: القرآن؛ وسمى ما أوحى إليه روحاً، لأن به الحياة من الجهل. وقال مالك بن دينار: يا أهل القرآن، ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع القلوب، كما أن العشب ربيع الأرض. {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان}: توقيف على عظم المنة، وهو صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بها، وعطف ولا الإيمان على ما الكتاب، وإنما معناه: الإيمان الذي يدركه السمع، لأن لنا أشياء من الإيمان لا تعلم إلا بالوحي. أما توحيد الله وبراءته عن النقائص، ومعرفة صفاته العلا، فجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عالمون ذلك، معصومون أن يقع منهم زلل في شيء من ذلك، سابق لهم علم ذلك قبل أن يوحي إليهم. وقد أطلق الإيمان على الصلاة في قوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} إذ هي بعض ما يتناوله الإيمان.
ومن طالع سير الأنبياء من نشأتهم إلى مبعثهم، تحقق عنده أنهم معصومون من كل نقيصة، موحدون لله منذ نشأوا. قال الله تعالى في حق يحي عليه السلام: {وآتيناه الحكم صبياً} قال معمر: كان ابن سنتين أو ثلاث. وعن أبي العالية: ما كنت تدري قبل الوحي أن تقرأ القرآن، ولا كيف تدعو الخلق إلى الإيمان. وقال القاضي: {ولا الإيمان}: الفرائض والأحكام. قال: وكان قبل مؤمناً بتوحيد الله، ثم نزلت الفرائض التي لم يكن يدريها قبل، فزاد بالتكليف إيماناً.
وقال القشيري: يجوز إطلاق الإيمان على تفاصيل الشرع. وقال الحسين بن الفضل: هو على حذف مضاف، أي ولا أ هل الإيمان من الذي يؤمن أبو طالب أو العباس أو غيرهما. وقال علي بن عيسى: إذ كنت في المهد. وقيل: ما الكتاب لولا إنعامنا عليك، ولا الإيمان لولا هدايتنا لك. وقيل: أي كنت من قوم أميين لا يعرفون الإيمان ولا الكتاب، فتكون أخذت ما جئتهم به عمن كان يعلم ذلك منهم. ما الكتاب: جملة استفهامية مبتدأ وخبر، وهي في موضع نصب بتدري، وهي معلقة.
{ولكن جعلناه نوراً}: يحتمل أن يعود إلى قوله: {روحاً}، وإلى {كتاب}، وإلى {الإيمان}، وهو أقرب مذكور. وقال ابن عطية: عائد على الكتاب. انتهى. وقيل: يعود إلى الكتاب والإيمان معاً لأن مقصدهما واحد، فهو نظير: {والله ورسله أحق أن يرضوه} وقرأ الجمهور: {لتهدي}، مضارع هدى مبنياً للفاعل؛ وحوشب: مبنياً للمفعول، إجابة سؤاله عليه الصلاة والسلام: {إهدنا الصراط المستقيم} وقرأ ابن السميفع: لتهدي بضم التاء وكسر الدال؛ وعن الجحدري مثلها ومثل قراءة حوشب. {صراط مستقيم}، قال علي: هو القرآن؛ وقيل: الإسلام. {ألا إلى الله تصير الأمور}: أخبر بالمضارع، والمراد به الديمومة، كقوله: زيد يعطي ويمنع، أي من شأنه ذلك، ولا يراد به حقيقة المستقبل، أي ترد جميع أمور الخلق إليه تعالى يوم القيامة فيقضي بينهم بالعدل، وخص ذلك بيوم القيامة، لأنه لا يمكن لأحد أن يدعي فيه لنفسه شيئاً، قاله الفراء.

1 | 2